سورة النحل - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء} من الكلام، لأنَّه لا يَفْهم ولا يُفهم عنه {وهو كَلٌّ} ثِقْلٌ ووبالٌ {على مولاه} صاحبه وقريبه {أينما يوجهه} يرسله {لا يأت بخير} لأنَّه عاجزٌ لا يَفهم ما يقال له، ولا يُفهم عنه {هل يستوي هو} أَيْ: هذا الأبكم {ومَنْ يأمر بالعدل} وهو المؤمن يأمر بتوحيد الله سبحانه {وهو على صراط مستقيم} دينٍ مستقيمٍ، يعني: بالأبكم أُبيَّ بن خلف، وكان كلاًّ على قومه؛ لأنَّه كان يؤذيهم، ومَن يأمر بالعدل حمزة بن عبد المطلب.
{ولله غيب السموات والأرض} أَيْ: علم ما غاب فيهما عن العباد {وما أمر الساعة} يعني: القيامة {إلاَّ كلمح البصر} كالنَّظر بسرعةٍ {أو هو أقرب} من ذلك إذا أردناه، يريد: إنه يأتي بها في أسرع من لمح البصر إذا أراده. {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً} أَيْ: غير عالمين {وجعل لكم السَّمْعَ والأبصار} أَيْ: خلق لكم الحواسَّ التي بها يعلمون، ويقفون على ما يجهلون.
{ألم يروا إلى الطير مسخرات} مذلَّلاتٍ {في جوِّ السماء} يعني: الهواء، وذلك يدلُّ على مُسخِّرٍ سخَّرها، ومدبِّرٍ مكَّنها من التَّصرُّف {ما يُمسكهنَّ إلاَّ الله} في حال القبض والبسط والاصطفاف.
{والله جعل لكم من بيوتكم سكناً} موضعاً تسكنون فيه، ويستر عوراتكم وحرمكم، وذلك أنَّه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت {وجعل لكم من جلود الأنعام} يعني: الأنطاع والأدم {بيوتاً} وهي القباب والخيام {تستخفونها يوم ظعنكم} يخفُّ عليكم حملها في أسفاركم {ويوم إقامتكم} لا يثقل عليكم في الحالتين {ومن أصوافها} يعني: الضَّأن {وأوبارها} يعني: الإِبل {وأشعارها}، وهي المعز {أثاثاً} طنافس وأكسية وبُسطاً {ومتاعاً} تتمتَّعون به {إلى حين} البلى.
{والله جعل لكم مما خلق} من البيوت والشَّجر والغمام {ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً} يعني: الغِيران والأسراب {وجعل لكم سرابيل} قمصاً {تقيكم الحر} تمنعكم الحرَّ والبرد، فترك ذكر البرد؛ لأنَّ ما وقى الحرَّ وقى البرد، فهو معلوم {وسرابيل} يعني: دروع الحديد {تقيكم} تمنعكم {بأسكم} شدَّة الطَّعْن والضَّرب والرَّمي {كذلك} مثل ما خلق هذه الأشياء لكم {يتمُّ نعمته عليكم} يريد: نعمة الدُّنيا، والخطاب لأهل مكَّة {لعلَّكم تسلمون} تنقادون لربوبيته فتوحِّدونه.
{فإن تولوا} أعرضوا عن الإِيمان بعد البيان {فإنما عليك البلاغ المبين} وليس عليك من كفرهم وجحودهم شيء.


{يعرفون نعمة الله ثمَّ ينكرونها} يعني: الكفَّار، يُقرُّون بأنَّها كلَّها من الله تعالى ثمَّ يقولون بشفاعة آلهتنا، فذلك إنكارهم {وأكثرهم} جميعهم {الكافرون}.
{ويوم} أَيْ: وأنذرهم يوم {نبعث} وهو يوم القيامة {من كلِّ أمة شهيداً} يعني: الأنبياء عليهم السَّلام يشهدون على الأمم بما فعلوا، {ثم لا يؤذن للذين كفروا} في الكلام والاعتذار {ولا هم يستعتبون} ولا يُطلب منهم أن يرجعوا إلى ما يرضي الله تعالى.
{وإذا رأى الذين ظلموا} أشركوا {العذاب} النَّار {فلا يخفف عنهم} العذاب {ولا هم ينظرون} يمهلون.
{وإذا رأى الذي أشركوا شركاءهم} أوثانهم التي عبدوها من دون الله {قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا} وذلك أنَّ الله يبعثها حتى تُوردهم النَّار، فإذا رأوها عرفوها، فقالوا: {ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول} أَيْ: أجابوهم فقالوا لهم: {إنكم لكاذبون} وذلك أنَّها كانت جماداً ما تعرف عبادة عابديها، فيظهر عند ذلك فضيحتهم حيث عبدوا مَن لم يشعر بالعبادة، وهذا كقوله تعالى: {سيكفرون بعبادتهم} {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} استسلموا لحكم الله تعالى {وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون} بطل ما كانوا يأملون من أنَّ آلهتهم تشفع لهم.


{ويوم نبعث في كلِّ أمَّة شهيداً} وهو يوم القيامة، يبعث الله في كلِّ أُمَّةٍ شهيداً {عليهم من أنفسهم} وهو نبيُّهم؛ لأنَّ كلَّ نبيٍّ بُعث من قومه، {وجئنا بك شهيداً على هؤلاء} على قومك، وتمَّ الكلام ها هنا، ثمَّ قال: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً} بياناً {لكلِّ شيء} ممَّا أُمر به ونُهي عنه.
{إنَّ الله يأمر بالعدل} شهادة أن لا إله إلاَّ الله {والإِحسان} وأداء الفرائض، وقيل: بالعدل في الأفعال، والإِحسان في الأقوال {وإيتاء ذي القربى} صلة الرَّحم، فتؤتي ذا قرابتك من فضل ما رزقك الله. {وينهى عن الفحشاء} الزِّنا {والمنكر} الشِّرك {والبغي} الاستطالة على النَّاس بالظُّلم {يعظكم} ينهاكم عن هذا كلِّه، ويأمركم بما أمركم به في هذه الآية {لعلكم تذكرون} لكي تتَّعظوا.
{وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} يعني: كلَّ عهدٍ يحسن في الشريعة الوفاء به {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} لا تحنثوا فيها بعد ما وكَّدتموه بالعزم {وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} بالوفاء حيث حلفتم، والواو للحال.
{ولا تكونوا كالتي نقضت} أفسدت {غزلها} وهي امرأة حمقاء كانت تغزل طول يومها، ثمَّ تنقضه وتفسده {من بعد قوة} الغزل بإمراره وفتله {أنكاثاً} قطعاً، وتمَّ الكلام ها هنا، ثمَّ قال: {تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم} أَيْ: غشَّاً وخديعةً {أن تكون} بأن تكون أو لأن تكون {أمة هي أربى من أمة} أَيْ: قوم أغنى وأعلى من قوم، وذلك أنهم كانوا يحالفون قوماً فيجدون أكثر منهم وأعزَّّ، فينقضون حلف أولئك، ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزُّ، فنُهوا عن ذلك. {إنما يبلوكم الله به} أَيْ: بما أمر ونهى {وليبينن لكم يومَ القيامة ما كنتم فيه تختلفون} في الدُّنيا، ثمَّ نهى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين عاهدوه على نصرة الإِسلام عن أيمان الخديعة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9